في غضون ثوان يستطيع أغلب أطفالنا تقمص الشخصيات التي يرونها في الأفلام أو في برامج
التلفزيون ويرددون عبارات الدعايات التي يتعرضون لها أو يعبرون عن نماذج مما تعلموه في وسائل الاعلام. ومن النماذج المؤسفة التي يمكن ملاحظتها أحيانا على الأطفال تسمية أنواع السجائر ومحاكاة المناظر الجنسية ومشاهد العنف والتأثر بالأفكار الهدامة. فما على الأطفال سوى وضع الشريط في الفيديو او تصفح مجلة أو فتح موقع على الانترنت أو مشاهدة التلفزيون ليشاهدوا كل أنواع الرسائل وبسهولة تامة. فوسائل الاعلام تقدم الترفيه والثقافة والأخبار والرياضة والتعليم. وهذه كلها أجزاء مهمة في حياتنا وتعلمنا الشيء الكثير ولكن بعض ما تطرحه هذه الوسائل الاعلامية ربما لا يكون هو ما نريد أن يتعلمه أولادنا. فهناك بعض الرسائل التي تبثها وسائل الاعلام ويتلقفها الصغار وتكون ضارة وسلبية على صحتهم وأخلاقهم.
نعم نستطيع أحيانا أن نرى أثر وسائل الاعلام على أطفالنا مباشرة، فمثلا عندما يشاهد الطفل أبطال أفلام العنف نجده يقلد حركاتهم أثناء اللعب ولكن في أغلب الأوقات لا يكون التأثير مباشرا أو واضحا.
فالتأثير يظهر ببطء مع استمرار مشاهدة وسماع الأطفال لرسائل بعينها أكثر من مرة ومنها:
1- القتل وأشكال العنف الأخرى التي تستخدم كطريقة للتعامل مع المشاكل والصراعات.
2- تدخين السجائر وتعاطي المخدرات وإظهارها على أنها جذابة ومريحة وغير ضارة بالصحة وغير قاتلة.
3- المناظر الجنسية وكأنها بدون أضرار.
4- الأفكار الهدامة التي تحرض على التمرد على الواقع أو تشجع على الإرهاب.
من هنا تأتي أهمية تعلم الوالدين كيفية تعليم أطفالهم الفهم الأفضل للرسائل الاعلامية التي يرونها او يسمعونها سواء المطبوعة أو المرئية أو المسموعة. ودور الأسرة الذي يجب أن تلعبه للحد من التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام يتمثل في قضيتين رئيسيتين:
القضية الأولى: التربية الاعلامية: وتعني فهم الأسرة لكيفية عمل الاعلام والكيفية التي يؤثر بها على حياتنا وكيفية استخدام الاعلام بصورة حكيمة وإيجابية.
والقضية الثانية: المسؤولية الاتصالية: وتعني تأثير الأسرة في أهداف وبناء وسياسات الاتصال من خلال تبني مواقف وأفعال تجاه ما تعرضه وسائل الاعلام.
على مستوى التربية الإعلامية، يحتاج الوالدان إلى وضع قيود وأن يتدخلا فيما يشاهده الأطفال من برامج في التلفزيون والانترنت وألعاب الكمبيوتر والمجلات وغيرها من وسائل الاعلام التي يستخدمونها. ولكن هذا لا يمثل سوى خطوة واحدة في مساعدة وسائل الإعلام على لعب دور إيجابي في حياة الأطفال لأن وسائل الإعلام تحيط بنا من كل جانب وليس بالامكان تجنبها في كل الأوقات. لذلك من طرق فلترة رسائل وسائل الإعلام تطوير مهارات التساؤل حول تلك الرسائل وتحليلها وتقييمها في مناخ غير قمعي يسمح بالحوار والشفافية والمصارحة بين الطفل ووالديه. وهذا هو المقصود بالتربية الاعلامية، فعندما تتولد لدى الطفل القدرة النقدية لما يقرأ أو يشاهد فإنه سوف يفعل الشيء ذاته مع الصور والأصوات المتحركة أمامه. فالطفل يستطيع أن يتعلم فهم الرسائل المكشوفة والمبطنة في كل وسائل الاعلام. وبمجرد أن يتعلم الأطفال مهارات التربية الاعلامية فإنهم سوف يسألون الأسئلة ويفكرون في الرسائل الاعلامية التي يشاهدونها أو يقرأوونها أو يسمعونها، وبالتالي سوف يستمتعون في القيام بذلك.
وعلى مستوى المسئولية الاتصالية،
يستطيع الوالدان أن يساعدا أطفالهما على الاستخدام الأمثل لوسائل الاعلام من خلال عمل الآتي:
1- ضع خطة اعلامية، أي وضع جدول لأوقات المشاهدة والاختيارات منذ وقت مبكر مثل ما تفعل مع بقية الأنشطة الأخرى للطفل. فالخطة الاعلامية تساعد كل شخص على اختيار واستخدام الاعلام بعناية.
2- ضع حدودا لأوقات استخدام وسائل الاعلام، أي حدد مدة بقاء الطفل أمام الشاشة، وهذا يتضمن وقت مشاهدة التلفزيون وأشرطة الفيديو وألعاب الكمبيوتر وخدمة الانترنت. والطريقة الملائمة لتحقيق ذلك تكمن في استخدام المؤقت الزمني؟ وعندما ينتهي الوقت فإن وقت استخدام طفلك للاعلام قد انتهى بدون أية استثناءات. فالأكاديمية الأمريكية للطفولة توصي بمالا يزيد عن ساعة أو ساعتين للبرامج التلفزيونية وألعاب الفيديو يوميا للأطفال الأكبر عمرا وبدون وقت للشاشة للأطفال الأقل من سنتين
3- ضع ارشادات أسرية لمحتوى وسائل الاعلام، أي بمعنى آخر ساعد الأطفال والمراهقين على اختيار برامج وألعاب فيديو ملائمة لأعمارهم واهتماماتهم. تدخل في عادة فحص محتوى وسائل الاعلام كدور توجيهي للوالدين. استخدم هذا الفحص لتقرر أي محتوى يلائم طفلك.
4- كن واضحا وغير متردد مع أطفالك بخصوص قوانين وأحكام التعامل مع وسائل الاعلام، وإذا لم تكن على اتفاق مع اختياراتهم فاشرح لهم لماذا؟ وساعدهم في اختيار شيء أكثر ملائمة لهم.
5- لا تضع التلفزيون والفيديو وألعاب الفيديو وجهاز الكمبيوتر في غرف النوم، وبدلا من ذلك ضعها في أماكن تستطيع أن تتدخل وتراقب استخدام الأطفال لها. وإذا سمح للأطفال بوجود التلفزيون وغيره من وسائل الاعلام في غرف نومهم اعرف ما هي وسائل الاعلام التي يستخدمونها وراقب اختياراتهم. وإذا كان هناك مدخلا للانترنت فراقب أطفالك أثناء استخدامهم له.
6- اجعل من الاعلام نشاطا أسريا كلما كان ذلك ممكنا، أي اجعل استخدام وسائل الاعلام مع اطفالك نشاطا عائليا وناقشهم فيما يرون ويسمعون ويقرأون. وعندما تكون شريكا مع أطفالك في تعاملهم مع وسائل الاعلام فإنك تستطيع مساعدتهم على التحليل والتساؤل والتحدي لمعنى الرسائل بأنفسهم. وأثناء النشاط الاعلامي للأسرة ساعد أطفالك على التذكر والتساؤل عن ما يشاهدونه. قم بذلك أثناء تصرف عنيف أو أثناء صورة أو رسالة مضللة أو أثناء الدعاية لمنتج غير صحي.
7- انظر للآثار الجانبية للاعلام على طفلك، ومالم تكن تحتوي على عنف أو جنس أو لغة جنسية فلا تكن صارما في انفعالاتك، وبدلا من ذلك كن مدركا للاعلام الذي يستخدمه الأطفال والمراهقون والأثر الذي تتركه عليهم. وهذا مهم جدا إذا ظهر لدى الطفل أي من السلوكيات التالية:
- أداء دراسي ضعيف
- ضرب أو دفع الأطفال الآخرين
- التحدث مع الكبار بعنف
- أحلام مزعجة باستمرار
- الإكثار من تناول الأطعمة غير الصحية
- التدخين أو تعاطي المسكرات والمخدرات.
8- تحدث مع طبيب الأطفال عن أي سلوك مقلق يصدر عن طفلك، فطبيب الأطفال ربما يأخذ التاريخ الاعلامي لطفلك. وهذا يمكن أن يساعد في كشف ما إذا كانت مشكلات سلوكية معينة موجودة لدى الطفل أو ربما تتطور بناء على مقدار ونوع الاعلام الذي يستخدمه الطفل. واذا ثبت أن هناك مشكلات أو تعتقد أنها ربما تتطور فاعمل مع طفلك لتغيير الاعلام الذي يستخدمه.
9- عبر عن رأيك، أي اجعل الناس الرابحين من الاعلام والذين يقودونه يعرفون مشاعرك حول الرسائل الاعلامية عبر اتصال هاتفي، رسالة، رسالة الكترونية. أخبر الشركات والمعلنين بما ترغبه وبما لا ترغبه، دع أطفالك يعبرون عن أصواتهم أيضا، فرسالة واحدة أو اتصال هاتفي يمكن أن يغير الوضع نحو الأفضل. وعندما لا يدعم محتوى الاعلام والاعلانات القيم الأسرية التي تؤمن بها عبر عن صوتك بامتناعك عن اقتنائها وأخبرهم لماذا؟
10- ادعم جهود التربية الاعلامية في مدرسة طفلك.
11- تعلم أكثر حول آثار وسائل الاعلام من خلال التحدث مع طبيب الطفل أو القراءة حول التربية الاعلامية، فالمدارس والمستشفيات وجماعات المجتمع المحلي ربما تعقد ورش عمل عن التحكم بما يشاهده الاطفال في وسائل الاعلام ويمكنك الاستفادة منها.
12- قلل من التأثيرات السلبية لوسائل الإعلام على أطفالك، فعندما تنظم وتراقب وتشترك مع أطفالك في تعاملهم مع وسائل الاعلام فإن التأثير سيكون ايجابيا. وعندما تساعد أطفالك على فهم كيفية تأثير اختياراتهم الاعلامية فإنهم سوف يتحكمون هم باستخداماتهم لوسائل الاعلام.