بسم الله الرحمن الرحيم
كلما افكر بمجئ الامام المهدي (عليه الصلاة والسلام) لهذه الامة بعد غيبته الطويلة ، تترائى امامي جبال الجليد القاسية الموحشة الباردة ، وكأن المياه التي تحيطها لم تتحرك ذات يوم ، ولم يصلها ضياء الشمس ساعة حتى تتزحزح او تلين شيئاً ، راسية بشموخ على قلوب الناس او على الاقل الشيعة منهم . هكذا اشعر عندما يقتحم موضوع الامام المهدي (عليه السلام) حديثا ، بصورة فجائية ، لم يكن معّد له سلفاً ولم يجتمع اثنان من أجله ، شعاع من نور دافئ يوقض هذا الجبل الذي تراكم على سفحة كل مظاهر الاتكال والنسيان والابتعاد . اتكال على المختص ونسيانه من اجل المختص والابتعاد عنه نحو المختص .
ويالها من جناية ان تبرد احاسيس الناس وتجف مشاعرهم تجاه الامام المهدي (عليه السلام) لدرجة ان مجرد التدبر في الروايات التي تبين للناس امر خروجه واعدائه وكيفية ظهوره لابد ان تمر عبر المختص ، والا فهي جناية على الدين بنظر البعض ، لذا ليس من الضروري ان تتدبر ، ومساحة الامل التي تلوح بالافق من تحقق علامات ظهوره لابد ايضا ان تمر عبر قنوات المختصين الضيقة ليقولوا فيها كلمة الفصل ، وروايات ال محمد (عليهم السلام) التي هي الرابط الحقيقي بين الشيعة والتشيع لابد ان نتداولها بعد ان تخرج من مختبرات المختصين القاسية ، فليس ضروريا ان يبحث الانسان بنفسه عن الامام طالما هناك من أهل الاختصاص من هو أهل لذلك ، هكذا تواجه الفرد ايحاءات المجتمع بل وحتى التصريح بها احيانا كثيرة ، لو فكرت يوما بالامام او سبل الاهتداء اليه.
ايها القارئ العزيز هذه دعوة لأن نسترجع هويتنا الشيعية المفقودة ، ومحاولة بحث عن هدف طالما حلم أجدادنا واجيال أتت ومضت على أمل تحققه الا وهو نصرة المهدي من ال محمد (عليه السلام).
فليست هذه السطور هي جلد للذات بقدر ماهي محاولة استنهاض لنفوس حية تحلم بيومٍ عاشت على امله كل الدعوات الالهية . وسنحاول قدر المستطاع ان نهاجم هذه الاتكالية المريضة المتراكمة على نفوس الناس التي تعتبر العائق الابرز لدى الجيل المعاصر الحائل بينه وبين امام الزمان (عليه الصلاة والسلام) ، الاتكال على المختص . فهل خطر ببالك ان الامام المهدي يمكنه ان يعتمد على قاعدة شعبية متكئة على غيرها بلا وجه حق ؟! او انه يلتفت الى افراد لا ينظرون له الا عبر منظار الغير ، ومتى اذن لهم الغير ؟!
فالتشيع هو مبايعة ومشايعة الامام المعصوم والاخذ منه واتباعه دون غيره ، والتسليم الكامل له بكل ما أمر به ونهى عنه ، والتشيع عمل دؤوب مخلص لله سبحانه ، وليس اتكالية (و ذبهه براس عالم واطلع منهه سالم) هذا قول متداول بين الناس غايتهم التخلص من التكليف باراء الفقهاء .
فصار تقليد المجتهدين او كما يحلو للبعض تسميتهم بأهل الاختصاص او الاتكالية هو المنهج والتشيع ، دون النظر الى مايمكن ان يهدم هذا العنوان من اصل العقيدة الحقة في نفوس الناس .
ولو القينا نظرة بسيطة على شرعية التقليد ومكانه في كتاب الله وكلام الطاهرين لوجدنا النتائج مخيفة للبعض ومخيبة للبعض الاخر ، واملنا في ان تكون محاولة لكسر قيود بعض ممن يتطلع لنصرة امامنا المظلوم (روحي وارواح العالمين لتراب مقدمه الفداء) ، وامل ان تكون هناك مناقشة لهذا الموضوع بصورة جدية لكل انسان يطلب امامه وهدفه نصرته وان يتبين الحق لكل ذي بصيرة ويسفر الصبح لكل ذي عينين .
فتقليد غير المعصوم في مذهب التشيع لا يجوز ، بل هو ابطال لأَصل المذهب ولا نجد من ائمتنا الهداة الا التحذير من هذه المغبة التي سقطت فيها الامم السالفة فتاهوا وابتعدوا .
فعن الصادق (ع( انه قال : إياكم والتقليد فانه من قلد في دينه هلك ان الله تعالى يقول ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ) فلا والله ما صلوا لهم ولا صاموا ولكنهم احلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا وقلدوهم في ذلك فعبدوهم وهم لا يشعرون .
فتحصيل الاحكام الشرعية من آراء الفقهاء هو بمثابة العبادة اذا كان الحلال والحرام بغير موضعه فما بالك بالعقائد التي يتسارع الناس للمختصين فيما لو سمعوا بشارة او بريق امل عن دعوة الامام المهدي او عن ظهوره ويسألونهم عنه ويستشيرونهم فيه !! لا أملك الا الحيرة والشعور بالاحباط حد الغثيان من برود الناس
ولو نظرنا ايضا في بعض الادلة التي يسوقها الناس لتبرير الاتباع لغير المعصومين ، سنجدها ادلة نقض وليس ادلة اثبات للتقليد والاتكالية ، وأَهمها رواياتان يقتطع جزء منهما وكلاهما يفيد بعدم تقليد غير المعصوم لكنها الاهواء والرغبات وسننقل ما يستدل به على انه اثبات لأحقية التقليد والاتكالية من اجل المناقشة الحرة الحضارية البعيدة عن التشنج ، غايتنا منها رفع اي عراقيل تمنع الناس عن نصرة الامام المهدي (صلوات الله عليه) .
الاول هو خبر طويل مرسل ينقله صاحب الوسائل يقتطعون منه هذا المقطع (فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِناً لِنَفْسِهِ حَافِظاً لِدِينِهِ مُخَالِفاً عَلَى هَوَاهُ مُطِيعاً لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ) .
والحقيقة ان هذا الخبر مرسل ولا يصلح للاحتجاج به حسب القواعد الحوزوية وايضا هو لايفيد بوجوب تقليد المجتهدين لا من بعيد ولا من قريب وقد علق عليه الشيخ الحر العاملي في نفس الكتاب المذكور في باب عدم جواز تقليد غير المعصوم بأن (التَّقْلِيدُ الْمُرَخَّصُ فِيهِ هُنَا إِنَّمَا هُوَ قَبُولُ الرِّوَايَة لَا قَبُولُ الرَّأْيِ وَ الِاجْتِهَادِ وَ الظَّنِّ وَ هَذَا وَاضِحٌ وَ ذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ) ، وباقي فقرات الخبر الطويل فيها ذم لأَصحاب الآراء والاجتهاد ومن يقلدهم ، وحتى الجزء المقتطع من الخبر لايشير الى المعنى الذي ذهبوا اليه ، فمن هو المجتهد المتصل بالامام المهدي (ع) حاليا كي نقول انه مطيعا لامر مولاه الامام المهدي ؟!! واذا كان اتصال فينبغي ان يكون واحدا وليس العشرات من المختلفين !! واذا كان هناك واحدا ممن يتصل بالامام فيكون نائبا خاصاً عن الامام واجب الاتباع وليس كما يقولون ان كل المجتهدين نواب عامين عن الامام ، وطبعا هذا النقاش في نص مقتطع من النص الاصل وليس النص كله ، لكن سننقل تتمة النص ليتضح جليا المقصود والمراد (.. وَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْضَ فُقَهَاءِ الشِّيعَةِ لَاكُلَّهُمْ فَإِنَّ مَنْ رَكِبَ مِنَ الْقَبَائِحِ وَ الْفَوَاحِشِ مَرَاكِبَ عُلَمَاءِ الْعَامَّةِ فَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُمْ عَنَّا شَيْئاً وَ لَا كَرَامَة ، وَ إِنَّمَا كَثُرَ التَّخْلِيطُ فِيمَا يُتَحَمَّلُ عَنَّا أَهْلَ الْبَيْت لِذَلِكَ ، لِأَنَّ الْفَسَقَةَ يَتَحَمَّلُونَ عَنَّا فَيُحَرِّفُونَهُ بِأَسْرِهِ لِجَهْلِهِمْ وَ يَضَعُونَ الْأَشْيَاءَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا لِقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ وَ آخَرُونَ يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ عَلَيْنَا ..) لاحظ ان الاشارة بالتقليد هو في قبول الرواية عن المعصوم بالقول "فلا تقبلوا منهم عنا شيئا" وقوله "كثر التخليط فيما يتحمل عنا اهل البيت" ، اما الواقع الحالي فأن المجتهدين للأسف يفتون وفق قواعد عقليه (الاصول) ، وليس ارجاعا للمعصوم وهذا ما اشار اليه الامام (ع) في انهم يركبون مراكب العامة وهو الاجتهاد بالرأي والظن وما القواعد الاصولية العقلية الا اراء ظنية .
فهل يمكن لكم ايها الناس ان تجعلوا هذا الحاجز الهش طريقا لبرود اعصابكم تجاه الامام المهدي ؟! وهل يمكن لكم ان تبتعدوا عن اتباع المعصوم بالاتكالية على المجتهد وفق هذه الاعتبارات التي لو دققتم بها لوجدتموها تنقض واقع المجتمع الشيعي الان .
وسنأخذ الدليل الثاني على اتكالية الناس على المجتهدين وجعلهم بوصلة تقرر مساراتهم وستجدون ايضا ان هذا الدليل كسابقه ينقض ولا يؤيد كما يتوهم البعض . وهو الاستدلال بالتوقيع الشريف الخارج من الامام المهدي (عليه الصلاة والسلام) عن طريق سفيره محمد بن عثمان العمري وايضا يقتطع جزء من النص للدلالة في حين ان النص يفهم بنقله كاملا وهذا النص (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم) ، هذا النص لا يستدل عليه وفق القواعد والمنهج الحوزوي لان السند ضعيف ، هذا ما بينه السيد الخميني (رحمه الله) في كتابه البيع ، والسيد ابو القاسم الخوئي (رحمه الله) في كتابه الاجتهاد والتقليد وغيرهما فهي لا تصح للاستدلال حسب المنهج الحوزوي ، وايضا هذا النص خرج في عهد السفير الثاني للامام المهدي فهل يمكن ان يوجه الامام المهدي الناس لرواة الحديث دون سفرائه ؟!!! فهذا الحديث يخص السفراء خاصة وليس غيرهم وهو واضح جدا وحتى عقليا مرفوض ومستهجن ان يتصور انسان ان الامام المهدي يوجه الناس لمن يروي الاحاديث واعدادهم بالالاف وهم اصلا مختلفين فيما بينهم ، بل على اي اساس يكون المجتهد هو المعني بها دون اي انسان يروي احاديث الائمة من عامة الناس طالما ان مدار الاستدلال هو رواية الحديث ، هذا طبعا من باب التنزّل لما يقولونه لتبيان فساد ماذهبوا اليه جملة وتفصيلاً ، فالراوي هو من ينقل عن المعصوم .
ايها الناس اما اٌن لكم ان تكسروا هذه القيود التي تحول بينكم وبين امامكم ، اما اٌن لكم ان توقدوا شموع الاخلاص أملاً لبزوغ فجره بدل الاتكالية على المختصين والتي لا أساس لها بمذهبنا ، متى تشعلوا القلوب وتذيبوا جبال الجليد ، متى يتدفق الدم في العروق المتجمده ؟
اسئلة نطرحها وهدفنا النقاش العلمي وتنبيه المتوهم : الامام المهدي لا يأتي من جهة الاتكال بل دوما يأتي من اليمين .
والحمدلله رب العالمین