ما: في جميع معانيها تُعبِّر عنْ غير الآدَميِّين، وعن صِفات الآدِميِّين.
* ما الاسْتِفْهَامِيّة:
-1 معناها:
مَعْنَاها: أيُّ شَيء نحو {مَا هِي؟} (الآية "68" من سورة البقرة "2" )، {مَا لَوْنُها؟} (الآية "69" من سورة البقرة "2" )، {ومَا تِلْكَ بيَمينِكَ} (الآية "17" من سورة طه "20" ) وهي سُؤَالٌ عَنْ غَيْر الآدمِيِّين وعَنْ صِفَاتِ الآدميين، فإذا قلتَ: "ما عِنْدَكَ؟" فَتُجِيبُ عَنْ كلِّ شيء ما خَلاَ مَنْ يعقل، و "ما" في قولك "ما اسْمُكَ؟"، و "ما عِنْدَكَ؟" في مَوضِع رفعٍ بالابْتِداء.
-2 حَذْفُ ألفها:
يَجبُ حَذْفُ ألِف "مَا" الاسْتِفهامية إذا جُرَّت وإبْقَاءُ الفَتحَةِ دَليلاً عَلَيْها نحو "فِيمَ" و "ألامَ" و "علاَمَ" و "بمَ" و "عمَّ" نحو {فِيمَ أنْتَ مِنْ ذِكْراها} (الآية "43" من سورة النازعات "79")، {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُون} (الآية "35" من سورة النمل "27" )، {لِمَ تقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونُ} (الآية "2" من سورة الصف "61").
-3 تركيب ما مع "ذا":
تأتي في ذلك على أربعَةِ أوْجُه:
أحَدُها: أنْ تكونَ مع "ذا" للإشَارَة نحو "ماذا التَّقْصِير".
الثاني: أَنْ تكونَ مَعَ "ذَا" المَوْصُولة.
الثالث: أنْ يكونَ "مَاذا" كُلُّه اسْتِفْهَاماً على التَّركيب كقول جرير:
ياخُزْرَ تَغْلِبَ مَاذَا بَالُ نِسْوتكم * لا يَسْتَفِقْنَ إلى الدَّيْرَينِ تَحنَا نا
(الخزر: جمع "أخزر" وهو صغير العينين).
الرابع: أنْ يَكُونَ "مَاذا" كلُّه اسمَ جِنسٍ بمعنى شيء أو موصولاً بمعنى الذي على خِلافٍ في تخريجِ قول المثقّب العبدي:
دَعِي مَاذا عَلِمتِ سأتَّقِيه * ولكنْ بالمغَيَّبِ نَبِّئيني
فالجُمهورُ على أَنَّ "مَاذَا" كُلَّهُ مَفْعول "دَعِي" في البَيْت، ثمَّ اخْتَلفُوا فقال بعضُهم: مَوْصُول بمعنَى الذي، وقال آخَرُون: نَكِرَةٌ بمَعْنَى شيء.
* ما الإبْهامِيَّة: هي التي إذا اقْتَرَنتْ باسمٍ نَكِرة أَبْهَمته وزادَتْه شِياعاً وعُموماً نحو "أعْطِنِي كِتَاباً ما" أمَّا قَوْلُهم "أعَطِني أَيَّ كتات"، فخطأ: إذ لا تصلح أيّ هنا لا للاستفهام، ولا للموصول.
* مَا التَّعَجُّبِيَّة: ما أفعله
"ما" فهي اسمٌ إجْماعاً، لأنَّ في " أفْعَلَ" ضَميراً يعودُ عليها، كما أجْمَعُوا على أَنها مُبتدأ، لأنها مُجَرَّدَةٌ للإِسْنادِ إليها.
ثم اخْتَلَفُوا: فعِنْدَ سِيْبَوَيهِ أنَّ "ما" نَكْرَةٌ تَامَّةٌ بمعنى شَيء، وجازَ الابْتِداءُ بها لِتَضَمُّنها مَعْنى التَّعَجُّب وما بَعدَهَا خَبَر، فَمَوضِعُه رَفْعٌ.
وعِنْد الأَخْفَش: هي مَعْرِفَةٌ ناقِصَةٌ.
بِمَعْنى الذي، وما بعدَها صِلَةٌ فلا مَوضِعَ له، أَو نَكِرَةٌ ناقِصَةٌ وما بعدَها صِفةٌ، وعلى هذين فالخَبَرُ محْذُوفٌ وُجُوباً (وليس هذا القولُ بالمرضي كما في الرَّضي، لأنه حذف الخبر وجوباً مع عدم ما يَسُدُّ مَسَدَّه، وأيضاً ليس في هذا التقدير معنى الإبهام اللائق في التعجب كما كان في تقدير سيبويه) تقديرُهُ: شَيءٌ عظيم.
وأمَّا "أَفْعَل" فالصحيح (وهو قول سيبويه والكسائي): أنها فِعلٌ لِلُزومِهِ مع ياءِ المُتكلِّم نونَ الوِقاية نحو "ما أَفْقَرَنِي إلى رحمةِ اللّه". ففتحتُه فَتحةُ بناءٍ، وما بعده مفعول به (وقال بقية الكوفيين: اسمٌ لِمَجِيئه مصغراً في قوله: "يا مَا أُمَيْلِح غِزْلاناً شَدَنَّ لنا" ففتحته فتحة إعراب).
* مَا الحِجَازِيَّةُ:
-1 التّعريفُ بها وتسميتها:
"مَا" الحجازية هي من المُشَبَّهاتِ بـ "لَيْسَ" في النَّفي وتَعملُ عَمَلَهَا وهو رأي البصريين (أما الكوفيون فلم يعملوها، وما بعدَمَا عندهم مبتدأ والاسم بعده خبر، كما أهملوا ليس حملاً عليها، فقالوا: ليس الطيبُ إلا المِسْكُ، وأصلهم أن التميميين أهملوهما) وإنما سُمِّيت حِجَازيَّةً لأنَّ الحِجَازِيِّين أَعْمَلُوها، في النَّكِرَة، والمَعْرِفَة، وبلُغَتِهم جاء التَّنْزِيل قال تعالى: {مَا هَذا بَشَرَاً} (الآية "31" من سورة يوسف "12" )، {ما هُنَّ أُمّهَاتِهْم} (الآية "3" من سورة المجادلة "58").
-2 شُروط إعمالها:
تضعْمَلُ "مَا" الحجازيةُ بأربعَةِ شُرُوط:
(أحدُها) ألاّ يَقترن اسمُها بـ "إن" الزَّائدة وإلاَّ بَطَل عَملها كقوله:
بَنِي غُدَانَةَ مَا إنْ أَنْتُمُ ذَهَبٌ * ولا صَرِيفٌ ولَكِنْ أنْتُم خَزَفُ
(برفع "ذهب" على الإهمال، ورواية ابن السكيت "ذهباً" بالنصب، وتخرَّج على أن "إن" النَّافِية مؤكدة لِـ "ما" لا زَائِدة، و "غدَانة" هي من يربوع، "الصَّرِيف" الفضة الخالصة "الخَزَفُ" كُلُّ ما عُمِلَ من طين وشُوِي بالنَّار حتى يكونَ فخاراً).
(الثاني) ألاَّ يَنْقِضَ نَفْيُ خَبرِها بـ "إلاَّ" ولذلك وجَبَ الرفعُ في قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنا إلاَّ واحِدَةٌ} (الآية "50" من سورة القمر "54")، {وَمَا محَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ} (الآية "144" من سورة آل عمران "3" )، {مَا أَنْتُم إلاّ بَشَرٌ مثلُنا} (الآية "15" من سورة يس "36" ) فأمَّا قوله:
وَمَا الدَّهْرُ إلا مَنْجَنُوناً بأهلِه * ومَا صاحِبُ الحاجاتِ إلاَّ مُعذَّبا
("المنجنون" الدُّولاب التي يُستَقى بها الماء والمعنى: وما الزَّمان بأهله إلا كالدولاب تارةً يرفع وتارةً يَضَع).
فمِنْ بابِ المفْعُولِ المطلَقِ المحذوف عَامِلُه، على حدِّ قولك "مَا محمّدٌ إلاَّ سَيْراً" أي يَسيرُ سَيْراً والتقدير في البيت:
مَا الدَّهرُ إلاَّ يَدورَ دَوَران مَنْجنونٍ بأهلِه * وماصاحبُ الحَاجَات إلا يُعَذَّبُ تعذيباً
وَأَجازَ يُونُس النصب بعد الإيجاب مطلقاً وهذا البيتُ يَشْهَدُ لَهُ (وعند الفراء يجوز النصب بعد الإيجاب إذا كان الخبر وصفاً).
ولأجلِ هذا الشّرطِ وجبَ الرَّفعُ بعد "بَلْ ولكن" في نحو "ما هِشَامٌ مسافراً بل مُقيمٌ" أو "لكنْ مقيمٌ" على أنه خبرٌ لِمُبْتَدأ محذوف ولم يَجُزْ نَصْبُهُ بالعَطفِ لأَنَّهُ موجَب.
(الثالث) ألاَّ يَتَقَدَّم الخبرُ على الاسم وإن كان جَارَّاً ومَجروراً، فإن تَقَدَّمَ بَطَل كقولهم "ما مُسِيءٌ مَنْ أعْتَبَ" (فـ "مسيء" خبر مقدم و "من" مبتدأ مؤخر، وحكى الجرمي "ما مُسِيئاً من أعتب" على الإعمال وقال: إنه لغة، والمعتب: الذي عاد إلى مَسرَّتِك بعدَما سَاءك). وقول الشاعر:
وَمَا خُذّلٌ قَومِي فَأَخْضعَ للعِدى * وَلَكِنْ إذا أدْعُوهُمُ فَهُمُ هُمُ
(خذل: جمع خاذل، خبر مقدم و "قومي" مبتدأ مؤخر).
قال سيبويه: وزعموا أن بعضهم قال وهو الفرزدق:
فأصبَحوا قَد أعادَ اللّه نِعْمَتَهُمْ * إذ هُمْ قُرَيْشٌ وإذ ما مِثْلَهم بشرُ
بنصب "مثلهم" مع تقجمه، فقال سيبويه: وهذا لا يَكادُ يُعرَف، على أن الفرزدق تَمِيمِي يَرفَعُه مُؤَخَّراً فكيف إذا تَقدَّم، .
(الرابع) ألاَّ يَتَقَدَّمَ معمولُ خَبَرها على اسْمِها، فإن تقدَّم بَطَلَ عَمَلُها كقول مُزَاحَم العُقَيلي:
وقالوا تَعرَّفْها المَنَازلَ مِن مِنىً * وما كُلَّ مَنْ وَافَى مِنىً أنا عارفُ
("تَعَرَّفَها" يقال: تَعَرَّفتُ ما عِندَ فلان: أي تطلبت حتى عرفت، "المَنازِل" مَفْعول فيه، أو منصوب بنزع الخَافِص، و "كل" مفعول "عارف". فبطل عمل "ما" لبقدم معمول الخبر على الاسم فـ "أنا عارف" مبتدأ وخبره).
إلاّ إن كانَ المعمولُ ظرفاً أو مجروراً فيجوزُ عَمَلُها كقول الشاعر:
بأُهْبَةِ حَزْمٍ لُذْ وإنْ كُنتَ آمِناً * فما كُلَّ حِينٍ مَنْ تُوالِي مُوالِيا
(فـ "ما" نافية حجازية "من توالي" اسم موصول اسمها "موالياً" خبرها منصوب "كل حين" ظرف زمان منصوب بـ "موالياً").
والأصْلُ: فَمَا مَنْ تُوَالي مُوالياً كُلَّ حين.
-3 زِيادَةُ الباءِ في خبرها:
تُزَاد الباءُ في خبر "ما" بكثرة وذلك نحو قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (الآية "99" من سورة آل عمران "3" ).
* مَا الشَّرطِيَّة: يُعَبَّر بها عَنْ غيرِ العاقِلِ، وتجزمُ فِعْلَين، ولا بُدَّ لَها مِن عائدٍ، تقول: "ما تركَبْ أرْكَبْ" ولا بُدَّ منْ تقدير الهَاء، أي أرْكبْه، والأحسن "ما تَرْكَبْ أركَبْهُ" ومثله قوله تعالى: {وَمَا تَفْعلوا مِن خير يعلمهُ اللَّه} (الآية "197" من سورة البقرة "2" ) فـ "مَا" شَرْطيَّة مفعول تركب وأضمرت الهاء في تَرْكَبْ، فإذا جعلتها بمنزلة الذي قلت: ما تقولُ أقولُ، فيصيرُ تقول صلةً لِمَا، حتى تكمل اسْماً، فكأنّك قلت: الذي تقولُ أقولُ، كما يقول سيبويه.
(=جَوَازِم المُضَارع 3).
* مَا الكَافَّة: هي التي تَكُفُّ عَامِلاً من كَلِمةِ أو حَرفٍ عَنِ العَمَل فمِنْها: كافَّة عن عَمَل الرَّفْع، وهي المُتَّصَلة بـ "قَلَّ" و "طالَ" و "كثُر" تَقُول: قَلَّما، و "الَما، وكثُرما، فمَا هُنا كَفَّتِ الفِعلَ عن طضلَبِ الفَاعل، ومِنْها الكَافَّةُ عَنِ عَمَلِ النَّصْبِ والرَّفعِ، وهي المُتَّصِلةُ بـ "إن" وأخَوَاتِها نحو {إنَّما اللّهُ إلهٌ واحدٌ} (الآية "171" من سورة النساء "4" ) ومِنْها الكَافَّةُ عَنْ عَمَل الجَرِّ، وهي التي تَتَّصِلُ بأحْرُفٍ، وظُرُوفٍ، فالأحرف "رُبَّ" و "الكاف" و "الباء" و "من" والظرف "بعد" و "بين".
* مَا المصدريَّة والمصدريَّة الظَّرفيَّة:
"ما" سواءٌ أكانَتْ مصدريَّةً ظَرْفِيَّةً أمْ غيرَ ظَرْفِيَّة، وتُوصَلُ بالمَاضِي والمُضَارِعِ المُتَصَرِّفَين، وبالجملة الاسْمِيَّة، ويقلُّ وصلُها بالجامد، ويَمْتَنِع بالأَمْرِ نحو: {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ} (الآية "26" من سورة ص "38" ) أين بِنسْيَانِهم.
والمَصْدَرِيَّة الظَّرْفية نحو "أنا مُقِيمٌ مَا أَقَمْتَ". أي أَنَا مُقِيمٌ مُدَّةَ إقَامَتِكَ.
* مَا الموصُولَة: وتُسْتَعملُ فيما لا يَعْقل نحو: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ} (الآية "96" من سورة النحل "16" )، وقد تكونً لَه مع العَاقِل نحو {سَبَّحَ للّهِ مَا فِي السَّمَواتِ وَمَا في الأرْضِ} (الآية "1" من سورة الصف "61") ومنه {إنَّما صَنَعوا كَيْدُ سَاحِرٍ} ومنه {إنَّما توعَدُون لآتٍ} وفي كليهما: إنَّ الذي صَنَعوا، وإنَّ الذي توعدون. وتكونُ لأنْواعِ مَنْ يَعقل نحو: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (الآية "3" من سورة النساء "4" ) وتكونُ للمُبْهَم أمْرُه، كقَولِك حين تَرَى شَبَحاً من بُعْد "انظر إلى ما ظَهر".
وإنْ جَعَلتَ الصِّفَة في مَوضِعِ المَوْصُوفِ عَلى مَا يَعْقل، ومن كلام العَرَب: "سُبْحضانَ مَا سَبَّح الرعدُ بِحَمدِه"، وقال تعالى: {والسَّماءِ ومَا بَناها} (الآية "5" من سورة الشمس "91").
* مَا النَّافِيَة: تَنْفي المَاضِي والحَاضِر، وهي لِنَفْي المَعَارِف كثيراً والنَكِرَات قليلاً. وإذا دَخَلَتْ على المُضَارع كانَتْ لنَفْي الحَال نحو: {ما يَقُولون إلاَّ حَقّاً} وتَقُول: "مَا يَفْعل" نَفْيٌ لقوله "هُوَ يفعل".
مَا: النكرةُ المَوْصُوفة، بأْتي بمعنى شَيءٍ أو أمر، وتُوصَفُ بمَا بَعْدها كما قال أُميَّةُ بنُ أَبي الصَّلْت:
رُبَّ مَا تَكْرَهُ النُّفُوسُ مِنَ الأ * مْرِ لَه فُرْخَةٌ كحَلِّ العِقَالِ
* مَا الوَاقِعةُ بعد نِعْمَ:
(=نِعْمَ وبِئْسَ 2 تعليق).
* ما انْفَكَّ: أصْلُ مَعْنى "انْفَكَّ زَالَ، فَلَمّا دَخَلتْ "مَا" صَارتْ بمعنى مازَال.
(1) وهيَ مِن أخَواتِ كانَ، وأَحْكامُها كأحْكامِها، .
(=كان وأخواتها).
وهي ناقِصةُ التَّصَرُّفِ، فلا يُسْتَعْمَل مِنها أَمْرٌ ولا مَصدَرٌ وقد يعمل اسمُ الفاعل كما سيأتي ولا تَعمَل إلاَّ بشَرطِ أنْ يَتَقَدَّمَ عليها "نَفْي أو نَهْيٌ أوْ دُعَاء" فمِثَالُها بعدَ النَّفْي بالاسمِ المَوْضوعِ للنَفي قوله:
غَيْرُ مُنْفَكٍّ أسِيرَ هضوىً * كلُّ وَانٍ لَيْسَ يَعْتَبرُ
("منفك" اسم فاعل "انفك" واعتمد على النفي الاسمي وهو "غير" "أسير" خبر مقدم لـ "منفك" و "كل" اسم منفك).
ومِثالُها بَعدَ النَّفْي بالفعلِ الموضوعِ للنَّفْي قولُهُ:
لَيْسَ ينفَكُّ ذا غِنىً واعْتِزَازٍ * كُلُّ ذِي عِفَّةٍ مُقِلٌّ قَنُوعُ
("كل" يتنازعه "ليس ويَنْفك" فهو اسمُ يَنْفَكُّ أو يعود عليه اسم ينفك "ذا غنى" خبر ينفك).
ولا يَجُوزُ تَقْديمُ خَبَرِها عَلَيها بِخِلافِ "كان" وَمُعْظَمِ أخَوَاتها.
(2)قد تأتي - انْفَكَّ - تامّةً بمَعْنى "انْفَصَل" تقولُ: "انْفَكَّ الخَاتَمُ" أي انْفَصل، ومِثْلُها "ما انْفَكَّ الخَاتم" أيْ لمْ يَنْفصل.
* مَا بَرِحَ:
(1)أصْلُ مَعْنى "بَرِحَ" مِنْ "بَرِحَ المَكَان" زَالَ عنه، فلما جاءَتْ "مَا" النافيةُ أفادتْ معنى: بَقِيَ.
وهِي مِنْ أَخَواتِ "كانَ" وأَحْكَامها كأحْكَامها وهي نَاقِصَةُ التَّصَرُّفِ، فلا يُستَعْمَلُ مِنْها أمْرٌ ولا مَصدَرٌ، ولا تَعْملُ إلاَّ بِشَرْطِ انْ يَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا: "نَفْيٌ أوْ نَهْيٌ أوْ دُعاءٌ". مِثَالها بعد النَّفي بالحَرْف {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِين} (الآية "91" من سورة طه "20" ) ومنه قولُ امرِئ القَيْس:
فَقُلتُ يَمينُ اللّهِ أبْرَحُ قَاعِداً * وَلَوْ قَطَعُوا رَأسي لَديْكِ وأَوْصَالي
(أبرح هنا على تقدير "لا أبْرحُ" لوجود القسم، ولو أراد الإثبات لقال: لأبْرحَنَّ).
ومِثالُها بَعْدَ النَّفْي بالفِعلِ قولُه:
قَلَّما يَبْرَحُ اللَّبِيبُ إلى مَا * يُورِثُ الحمدَ دَاعِياً أو مُجِيبا
(قلما هنا بمعنى النفي لا القلة، والمراد المبالغة بالقلة حتى تصير نفياً، ولذا ينصب المضارع بأن مضمره بعد فاء السببية إذا تقدمت قلما).
وتنفردً "ما برحَ" عن كان: بأنها لا يجُوزُ تقديمُ خبرِها عليها.
(2)وقد تَأْتِي تَامَّةً بمعنى ذَهَبَ نحو {وَإذْ قَالَ مُوسى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ} (الآية "61" من سورة الكهف "18" ) أي لاَ أَذْهَبُ.
(=كان وأخواتها).
* مَا دامَ:
(1)مَنْ أخَواتِ "كَانَ". وأصلُها: "دَامَ" بمعنى استَمَرَّ، ودَخَلَتْ عليها "مَا" المصدريَّة الظَّرْفيَّة. وهي الوَحِيدَةُ مِنْ أخَواتِ كانَ التي يَجِبُ أَنْ يَتَقَدَّمَها "مَا" المَصْدَريَّة نحو {وَأوْصَاني بالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَياَّ} (الآية "31" من سورة مريم "19" ) أيْ مُدَّة دَوَامِي حَيَّا.
و "ما" هذه مَصْدريَّة لأنَّها تُقَدَّرُ بالمَصْدَرِ وهو الدَّوَام وهي "ظَرْفِيَّةٌ" لِنِيابَتِها عَنِ الظَّرْفِ وهو "المُدَّة" ولاَ يجوزُ تَقْدِيمُ خَبَرِها عَلَيْهَا بِخِلاَفِ "كان" والكثير منْ أَخَوَاتها.
(2)قَدْ تُسْتَعْمَلُ "مَا دَام" تامَّةً إذا كانت بمعنى "بَقِي" نحو {خالدِينِ فِيها مَا دَامَتِ السَّمَواتُ والأرضُ} (الآية "108" من سورة هود "11" ).
(=كان وأخواتها).
* مَاذَا:
(="ما" الاستفهاميَّة 3، وذا الموصولة "2" ).
* مَا زَالَ: زَالَ ماضي يَزالُ (إنما قُيدتْ بماضي يزال احتِزازاً من "زَال يَزيل" بمعنى مَاز ومَصدره "الزَّيل" ويتعدَّى إلى مفعولٍ واحدٍ، واحْترازاً من "زَال يَزُول" فإنه فعلٌ تَام لازم، ومَعْناه الانتقَال ومَصْدره الزَّوَال)، وهي مِنْ أخَواتِ "كَانَ".
وهي نَاقِصَةُ التَّصَرُّف، فلا يُستعمَل منها أمْرٌ ولا مَصْدَر، ويُمْكِنُ أنْ يَعْمَلَ فيها اسْمُ الفَاعِلِ نحو قولِ الشّاعر:
قَضَى اللّهُ يا أَسْماءُ أن لَسْتُ زائلاً * أحِبُّكِ حتَّى يُغْمِضَ العَيْنَ مُغْمِضُ
("زائلاً" اسمُ فَاعِل زَال النَّاقِصة، وسَبَقه نفي بالفعل، فاسْمُه مستَتر فيه تقديره "أنا" وجملة "أحبك" خبره).
ولا تَعْمَل إلاَّ بِشَرْط أنْ يتَقدَّمَ عَلَيْها: "نَفْيٌ، أَوْ نَهْيٌ، أَوْ دُعاءٌ". مِثالُ النَّفْي {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} (الآية "118" من سورة هود "11" ).
ومِثَال النَّهي قَوْلُ الشاعر:
صَاحِ شَمِّرْ ولا تَزَاْ ذَاكِرَ الموْ * تِ فَنِسْيَانُهُ ضَلاَلٌ مُبينُ
("القطر" وهو المطر: اسم زال مؤخراً و "منهلاً" خبر مقدم و "ألا" حرف استفتاح "يا" حر ف نداء والمنادى محذوف أي يا هذه أو حرف تنبيه "الجرعاء" تأنيث الأجرع: زملة مستوية لا تنبت شيئاً).
وتَنْفَرِدُ عن "كانَ" بأنَّها لا يَجُوزُ تَقْديمُ خَبَرِهَا عَلَيْها، فلا يجُوزُ "صَائماً مَا زَالَ عَلِيٌّ - أمَّا تَقَدُّمُه عَلى "زَالَ" وبعدَ "مَا" فَجَائِزٌ نحو: "مَا صَائِماً زَالَ عَليّ" وبأنها أُلزِمَتْ النَّقْصَ فلا يَأتِي مِنْها فِعْلٌ تامٌّ.