السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن التاريخ لم يشهد لنا أصحاب مثل أصحاب الحسين (عليه وعليهم السلام)، الذين هم خير الأصحاب على مر الدهور والعصور، لأنهم بذلوا مهجهم دون الحسين، وهم يعلمون بمصيرهم المحتوم حيث أخبرهم الحسين بذلك، فقد قال لهم: هذا الليل اتخذوه جملا، فقالوا: الحمد لله الذي أكرمنا بالشهادة معك.
ونستعرض بطلاً من الأبطال البرره، وهو
الحر بن يزيد الرياحي،
الذي أخذ الحر يدنوا من الحسين (عليه السلام) قليلاً قليلاً، فقال له المهاجر بن أوس: ما تريد يا بن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟
فلم يجبه وأخذ مثل الأفكل (وهي الرعدة)، فقال له المهاجر: إن أمرك لمريب والله، ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فلم هذا الذي أرى منك؟!
فقال الحر: إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار، فوالله إني لا أختار على الجنة شيئاً، ولو قُطعت وحرقت!
ثم ضرب فرسه قاصداً إلى الحسين (عليه السلام) ويده على رأسه، وهو يقول: اللهم إليك أنيب فتب علي، فقد أرعبت قلوب أوليائك، وقال للحسين (عليه السلام): جعلت فداك يا بن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان، وما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة، والله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الذي ركبت، وإني قد جئتك تائباً مما كان مني إلى ربي، مواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك، فهل ترى من توبة؟
فقال الحسين (عليه السلام): نعم، يتوب الله عليك.
وروي أن الحر قال للحسين (عليه السلام): يا بن رسول الله، كنتُ أول خارج عليك، فأذن لي لأكون أول قتيل بين يديك وأول من يصافح جدك غداً، فأذن له الحسين (عليه السلام)، فحمل على أصحاب عمر بن سعد وهو يقول:
إني أنا الحر ومـأوى الضـيف * أضرب في أعناقكم بالسيف
عن خير من حل بأرض الخيف * أضربكم ولا أرى من حيف
فقاتل قتالاً شديداً، وكان يحمل هو وزهير بن القين، فإذا حمل أحدهما غاص فيهم حمل الآخر حتى يخلصه، ففعلا ذلك ساعة حتى عرقب فرس الحر وبقي يقاتلهم راجلاً، فحملت عليه الرجاله وتكاثروا عليه حتى قتلوه، فحمله أصحاب الحسين (عليه السلام) حتى وضعوه بين يدي الحسين (عليه السلام) وبه رمق ودمه يشخب، فجعل الحسين يمسح التراب عن وجهه ويقول: "بخ بخ لك يا حر، أنت حر كما سمتك أمك في الدنيا والآخرة".
لنعم الحر حر بني ريـاحِ * صبور عند مختلف الرماح
ونعم الحر إذ واسى حسيناً * فجاد بنفسـه عند الصباح